سورة الحشر - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحشر)


        


{سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}.
{هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب} يعني: بني النَّضير {من ديارهم} مساكنهم بالمدينة، وذلك أنَّه نقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف سيِّدهم، فقتل غيلةً، وحاصر بني النَّضير ثمَّ صالحهم على أن يخرجوا إلى الشَّام، فخرجوا وتركوا رباعهم وضياعهم، وقوله: {لأوَّل الحشر} كانوا أوَّل مَنْ حُشر إلى الشَّام من اليهود من جزيرة العرب وقيل: إنَّه كان أوَّل حشرٍ إلى الشَّام، والحشر الثَّاني حشر القيامة، والشَّام أرض المحشر. {ما ظننتم} أَيُّها المؤمنون {أن يخرجوا} لعدَّتهم ومنَعتهم {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله} وذلك أنَّهم كانوا أهل حلقةٍ وحصونٍ، فظنُّوا أنَّها تحفظهم من ظهور المسلمين عليهم {فأتاهم الله} أي: أمر الله {من حيث لم يحتسبوا} من جهة المؤمنين، وما كانوا يحسبون أنَّهم يغلبونهم ويظهرون عليهم {وقذف في قلوبهم الرعب} ألقى في قلوبهم الخوف بقتل سيِّدهم {يخربون بيوتهم بأيديهم} وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صالحهم على أنَّ لهم ما أقلَّت الإِبل، وكانوا ينظرون إلى الخشبة والشَّيء في منازلهم ممَّا يستحسنونه، فيقلعونه وينتزعونه ويهدمون البيوت لأجله، فذلك إخرابهم بأيديهم، ويخرِّب المؤمنون باقيها، وهو قوله: {وأيدي المؤمنين} وأضاف الإخراب بأيدي المؤمنين إليهم؛ لأنَّهم عرَّضوا منازلهم للخراب بنقض العهد. {فاعتبروا} فاتَّعظوا {يا أولي الأبصار} يا ذوي العقول، فلا تفعلوا فعل بني النَّضير فينزل بكم ما نزل بهم.
{ولولا أن كتب الله} قضى الله {عليهم الجلاء} الخروج عن الوطن {لعذَّبهم في الدنيا} بالقتل والسَّبى كما فعل بقريظة.


{ما قطعتم من لينة} من نخلةٍ من نخيلهم {أو تركتموها قائمة} فلم تقطعوها {فبإذن الله} أي: إنَّه أذن في ذلك، إِنْ شئتم قطعتم وإنْ شئتم تركتم، وذلك أنَّهم لمَّا تحصَّنوا بحصونهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وإحراقها فجزعوا من ذلك، وقالوا: من أين لك يا محمَّد عقر الشَّجر المثمر؟ واختلف المسلمون في ذلك، فمنهم مَنْ قطع غيظاً لهم، ومنهم من ترك القطع وقالوا: هو مالنا: أفاء الله علينا به، فأخبر الله أنَّ كلَّ ذلك من القطع والتَّرك بإذنه {وليخزي الفاسقين} وليذلَّ اليهود وليغيظهم.
{وما أفاء الله على رسوله} ردَّ الله على رسوله ورجع إليه {منهم} من بني النَّضير من الأموال {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} أَيْ: ما حملتم خيلكم ولا إبلكم على الوجيف إليه، وهو السَّير السَّريع، والمعنى: لم تركبوا إليه خيلاً ولا إبلاً، ولا قطعتم إليه شُقَّة، فهو خالصٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل فيه ما أحبَّ، وليس كالغنيمة التي تكون للغانمين، وهذا معنى قوله: {ولكنَّ الله يسلط رسله على مَنْ يشاء...} الآية.
{ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} من أموال أهل القرى الكافرة {فللَّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} وكان الفيء يُخَمَّسُ خمسةَ أخماسٍ، فكانت أربعةُ أخماسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء، والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية، وأمَّا اليوم فما كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم من الفيء يُصرف إلى أهل الثُّغور المُترصِّدين للقتال في أحد قولي الشَّافعي رحمه الله، والفيء: كلُّ مالٍ رجع إلى المسلمين من أيدي الكفَّار عفواً من غير قتال، مثل: مال الصُّلح والجزية والخراج، أو هربوا فتركوا ديارهم وأموالهم، كفعل بني النَّضير، وقوله: {كيلا يكون} يعني: الفيء {دولة} متداولاً {بين الأغنياء} الرُّؤساء والأقوياء {منكم وما آتاكم الرسول} أعطاكم من الفيء {فخذوه وما نهاكم عنه} عن أخذه {فانتهوا}.


{للفقراء المهاجرين} يعني: خمس الفيء للذين هاجروا إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم حُبَّاً لله ولرسوله، ونصرةً لدينه، وهو قوله: {وينصرون الله} أي: دينه {ورسوله أولئك هم الصادقون} في إيمانهم.
{والذين تبوَّؤا الدار والإِيمان} نزلوا المدينة وقبلوا الإيمان {من قبلهم} من قبل المهاجرين وهم الأنصار {يحبون من هاجر إليهم} من المسلمين {ولا يجدون في صدورهم حاجة} غيظاً وحسداً {مما أوتوا} ممَّا أُوتي المهاجرون من الفيء، وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النَّضير بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلاَّ ثلاثة نفرٍ، كانت بهم حاجة فطابت أنفس الأنصار بذلك، فذلك قوله: {ويؤثرون على أنفسهم} أَي: يختارون إخوانهم المهاجرين بالمال على أنفسهم {ولو كانت بهم خصاصة} حاجةٌ وفاقةٌ إلى المال {ومَنْ يوق شح نفسه} مَنْ حُفظ من الحرص المهلك على المال، وهو حرصٌ يحمله على إمساك المال عن الحقوق والحسد {فأولئك هم المفلحون}.
{والذين جاؤوا من بعدهم} أي: والذين يَجئيون من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة {يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواتنا الذين سبقونا بالإيمان} أي: المهاجرين والأنصار {ولا تجعل في قلوبنا غلاً} حقداً {للذين آمنوا...} الآية. فمن ترحَّم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن في قلبه غِلٌّ لهم فهو من أهل هذه الآية، ومَنْ يشتم واحداً منهم ولم يترحَّم عليه لم يكن له حظٌّ في الفيء، وكان خارجاً من جملة أقسام المؤمنين، وهم ثلاثةٌ: المهاجرون والأنصار، والذين جاؤوا من بعدهم بهذه الصِّفة التي ذكرها الله تعالى.

1 | 2